الإعلان عن إنشاء ناد سينمائي في المنطقة الشرقية يعادل بالنسبة لي قرار السماح بعودة صالات السينما التجارية للسعودية بل إني أراه أهم وأجدى لأن النادي سيتجه إلى تطوير الذائقة وتعميق الثقافة السينمائية وسيكون رواده من النخبة الذين يتشاركون في احترامهم للسينما فناً وتاريخاً وذلك على عكس صالات السينما التجارية المتاحة للجميع والتي ستركز على جديد الأفلام الأمريكية فحسب وبدافع مادي محض لا يعبأ بأي همّ ثقافي.
قبل أربع سنوات زرت المركز الثقافي في العاصمة السورية دمشق وقد وجدت فيه صالة عرض بسيطة يُعرض فيها بشكل أسبوعي فيلم من الأفلام الكلاسيكية الخالدة ويحضره عشاق السينما الحقيقيون مجاناً، وكان الفيلم المعروض يومها فيلم "ريبيكا" للمخرج الشهير "ألفرد هيتشكوك". لم أكن مهتماً بالفيلم قدر اهتمامي بهذا الطقس السينمائي الجميل الذي توّج في النهاية بجلسة نقاش منعشة استمرت ساعتين تحدث فيها الحضور عن رأيهم في الفيلم وعن سينما هيتشكوك بشكل عام. كان أغلب الحضور من كبار السن الذين ارتبطوا بالسينما منذ طفولتهم فاستمروا أوفياء لها ولهذا المركز الذي يمدهم بهواء سينمائي يتنفسونه بعمق وحب.
أثرت فيّ هذه التجربة كثيراً فأردت تطبيقها في الرياض وحاولت أنا وبعض الزملاء تنظيم عروض أسبوعية مع جلسات نقاشية تجمع المهتمين بالسينما إلا أن غياب المظلة الرسمية جعلنا نطوي هذه الفكرة ونؤجلها إلى حين تتحسن ظروف المؤسسات الثقافية!. وها هي الظروف تتحسن وتأتينا البشائر من المنطقة الشرقية معلنة عن تأسيس أول ناد للسينما في السعودية وهو ما يعطينا الأمل بتعميم هذه الفكرة لتشمل بقية مناطق المملكة خاصة وأن هذا النادي يحظى برعاية وزارة الثقافة والإعلام.
إن حاجتنا للنادي السينمائي تزداد في هذه الأيام التي نرى فيها تجارب الشباب في صناعة الفيلم القصير، فهؤلاء بحاجة للتأصيل السينمائي وللوعي الذي يخلقه الاحتكاك بشركاء الاهتمام، وتصقله المشاهدات السينمائية النوعية التي سيقدمها النادي لرواده. وما يمنح النادي أفضلية على صالات السينما التجارية أنه غير مرتبط بالعائد المادي وعروضه ستكون مجانية وهو ما يمنح القائمين عليه فرصة الغوص في تاريخ السينما والتقاط روائع الأفلام التي تنتمي لتيارات سينمائية مختلفة وعرضها على جمهور متعطش يريد مشاهدة أفلام فنية راقية لن يتمكن من مشاهدتها في الصالات التجارية ولا في الفضائيات السينمائية التي لا تهتم هي الأخرى إلا بجديد الأفلام